dimanche 13 juin 2010

إستقلال تونس


وقعت تونس فريسة للاحتلال الفرنسي سنة 1298هـ ـ 1881م، ولم تستطع الدولة العثمانية فعل شيء لضعفها وتكالب الأعداء عليها وكثرة مصائبها، وثارت القبائل التونسية في جنوب البلاد، ولكن المحتل الفرنسي المشهور بوحشيته ضد المسلمين، قمع هذه الثورة، وحاول الحاكم التونسي «الباي محمد» استنفار القبائل في الوسط للتعبئة العامة ضد الاحتلال، ومحاولة الاتصال بالعثمانيين في طرابلس وثارت مدن «قابس»، و«صفاقس» وبرزت عدة زعامات شعبية، مثل «علي بن خليفة» شيخ قبائل «نفات» الذي أصبح قائد المجاهدين رغم أنه كان في الثمانين من العمر.


بعد أن قمعت فرنسا المقاومة التونسية بمنتهى الشدة، أخذت بعد ذلك في تثبيت الوضع الاحتلالي بالبلاد فأنشأت مجلسًا استشاريًا، وفتحت الباب لمن يريد أن يهاجر لتونس من الفرنسيين والإيطاليين واشتدت وطأة الفرنسيين على أهل البلاد، وأحس بذلك المسلمون الملتزمون، ذلك لأن فرنسا كانت تركز على تذويب الهوية الإسلامية لأي بلد تدخله، وتستهدف النواحي الثقافية للمسلمين، مما جعل المسلمين ينتفضون مرة بعد مرة، وفرنسا في كل مرة تستخدم الشعار المعروف «لا هوادة».


بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، حاول أهل تونس عرض قضيتهم على مؤتمر الصلح، واستغلال مبدأ حق تقرير المصير الذي نادى به الرئيس الأمريكي «ويلسون» ولكنهم فشلوا، وحاولوا سلوك طريق المطالبة بالدستور، وقبضت فرنسا على بعض الزعماء أمثال عبد العزيز الثعالبي، وكان حكم «البايات» ما زال قائمًا صورة فقط، وإن كان الباي محمد الناصر وولده محمد المنصف في صف التوانسة وضد الاحتلال ولكن لا يملكون من الأمر شيئًا، وعندما زار الرئيس الفرنسي «ألكسندر ميلران» تونس قام «محمد المنصف» بتسيير مظاهرات حاشدة تطالب بالاستقلال، فردت فرنسا على ذلك بعزله وأبيه «الناصر» وتعيين رجل آخر مكانه.



أقدمت فرنسا على سن قانون جديد للجنسية، يجيز سحب الجنسية التونسية وإعطاء الجنسية الفرنسية مكانها لمن يطلبها، وبالتالي يصبح حاملها من رعايا فرنسا ويستحق حمايتها ودعمها، فرد المسلمون على هذا القانون اجتماعيًا وعقديًا، فقاطعوا كل مسلم طلب الجنسية الفرنسية، وعدوه خارجًا عن الإسلام لا يصح دفنه في مقابر المسلمين، وهذه القوة في مواجهة القانون، جعلت كثيرًا ممن أقدم على التجنس، يتخلى عن الجنسية الفرنسية ويعود لأصله، واغتاظ الفرنسيون بشدة من ذلك، وقام المستوطنون الفرنسيون بأعمال استفزازية لمسلمي تونس.


تغيرت الحكومة الفرنسية، وجاء الاشتراكيون للحكم، وأظهروا أنهم لن يمكنهم التفاهم ولا التفاوض إلا مع الاشتراكيين التوانسة فقط، وكان هذا شرك كبير وقع فيه الشباب المتطلعون إلى الظهور والشهرة، فبرز الحزب الاشتراكي التونسي، وبرزت أسماء «الشاذلي خير الله»، و«الحبيب بورقيبة»، و«محمود الماطري» وكانوا شبابًا وعلمت فرنسا على تلميعهم وإبرازهم بالطرق المعروفة، الاعتقال، النفي، الهجوم في الصحف وفي نفس الوقت زالت من على الساحة التوجهات الإسلامية التي تقلق أي محتل خصوصًا الصليبي منهم، وأصبحت المقاومة التونسية علمانية الطابع، اشتراكية التوجه.



حدثت عدة انشقاقات داخل حزب «الدستور» أقدم الأحزاب التونسية، بسبب السياسة الفرنسية الخبيثة، ثم عاد الشيخ «عبد العزيز الثعالبي» للبلاد بعد فترة نفي طويلة، وعاد الخلاف بين الدين والعلمانية، وعاد طلاب جامع الزيتونة في الثورة والمظاهرات العنيفة، وتعطلت المشروعات العلمانية قليلاً، وخفتت أصوات المطالبين بالاشتراكية والعلمانية.


اندلعت الحرب العالمية الثانية، وشهدت الأراضي التونسية عمليات حربية عنيفة بين الألمان والحلفاء، وحاول «الباي محمد المنصف» الذي أصبح الأمير على تونس، استغلال الفرصة، وكان كما قلنا من قبل يكره الاحتلال ويسعى للاستقلال، فاتخذ عدة خطوات ضد المحتل الفرنسي، وعزل رجالهم الموالين لهم في الحكومة، فقام الفرنسيون بعزله ثم نفيه إلى الجزائر حيث مات هناك.


بعد الحرب أصبح «الحبيب بورقيبة» هو الشخصية المفضلة عند فرنسا للتفاوض معه وتسليمه البلاد ذلك لأن فرنسا قد خرجت من الحرب وقد أنهكت تمامًا، ولم تعد قادرة على مواصلة احتلال هذا العدد الكبير من البلدان في إفريقيا وحدها، وكان «الحبيب بورقيبة» رجلاً يحب الشهرة ويسعى إليها بأي ثمن أو طريق، من أجل ذلك عمل مع المخابرات الفرنسية سرًا منذ سنة 1346هـ، ثم عمل مع المخابرات الإيطالية سنة 1357هـ، وهكذا ينتقل يمنة ويسرة لتحقيق غاياته، ثم ترك الاثنين وتعاون مع المخابرات الأمريكية التي توسطت له عند الفرنسيين، فعادوا وتعاونوا معه.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire