dimanche 6 juin 2010

العالم الشهير غوتنبرغ


في إطار مقارنة شيقة بين النص المكتوب والنص الإلكتروني، ينعى ريجيس دوبريه هذا المتعدد البراعات والمبدع بحسب التقريظ الذي كتبه عنه إدوارد سعيد في "صور المثقف، 1996" أقول ينعى تراجع المكتوب في عصر الصورة والكتابة الإلكترونية. فمن وجهة نظره أن المكتوب ينتمي إلى عصر مضى وانقضى، إلى عصر في طريقه إلى الزوال، وأن عصر البلاغة الإلكترونية من شأنه أن يسهر على جثة المكتوب ليسارع الى دفنها؟

يكتب دوبريه، كما أسلفت، في نص شيق يغوي بالقراءة ويقول قولاً سحرياً في الكلمات والأشياء وما بعدهما، خاصة في إطار مقارنته بين النص المكتوب بطابعه القدسي، حيث ذلك الترابط القوي بين القدسي بكل تجلياته بالمكتوب على مسار تاريخ طويل من تاريخ الحضارة البشرية، وبين النص الإلكتروني. يقول في إطار مقارنته بين الكتاب ونظام الكتابة الرقمي: إن الكتاب، هذا الجسم المستطيل المتوازي الغريب، المؤلف من غلاف وثنايا وأول وآخر، كان الحاكم أو الآمر الناهي في نظام فكر وسلطة وثقافة، وأحسب أن الكتابة الرقمية قد تطوي هذا النظام. إن الركن الأول في نظام الكتاب هي فكرة الكل الجامع. فالكتاب هو جملة مجتمعة وقائمة، ومجموع مغلق على نفسه. فهو، لهذا، على الضد من انفتاح النص الالكتروني، وثمة في ثبات الكتابة ما يخالف ميوعة النص الإلكتروني وسيولته. فالكتاب زمنه زمن السرد والخبر والقصة، وله ابتداء ويجري إلى خاتمة، وهذه الصور الثلاث: السرد، الكل، الثبات، تبدو لي إلى انصرام، وهذا على العكس من الرقمي الذي، بقدر ما يشيع ويعمم، يعصى على الجميع في كل واحد. إنه يقدم التجاور على التماسك كما في حالة الكتاب، ومضماره "انسخ ـ الصق" بامتياز، فلا مركز ولامرجع جامع.

ما يريد أن يصل إليه دوبريه قوله إن عصر الانترنت يقطع مع عصر المكتوب. ففي حالة المكتوب يكون الكتاب محصوراً بين المؤلف والقارئ، أما في عصر الانترنت فكل الناس يحتفظون بحقهم في المشاركة في النص والدخول إليه، من فوق إلى تحت وبالعكس، فليس من مركز ولا من مرجع جامع.

في كتابه الصادر مع أواسط عقد التسعينات من القرن المنصرم "الميديولوجيا أو علم الأعلام العام، 1996"، راح دوبريه ينشئ لنا خطاطة تطورية تطال تاريخ البشرية، على غرار تلك الخطاطات التي روّجت لها الماركسية في عز مجدها ومدها، كذلك من كانت تسميهم مرغريت ميد "انتربولوجيو المقاعد الوثيرة". الخطاطة ترى أن تاريخ البشرية مرّ بثلاث مراحل، أو ثلاثة مجالات:

المجال الأول: هو المجال الشفوي ويمتد على تاريخ طويل من تاريخ البشرية، من أول رقيم طيني دشن فيه عصر المكتوب حتى اختراع غوتنبرغ للمطبعة في نهاية القرن الخامس عشر الميلادي، وفيه كان الله يملي والإنسان يكتب، وفي هذا الاطار جاءت الكتب المقدسة الكبرى التي لا نزال ندين بمرجعيتنا لها، في الكبيرة والصغيرة.

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire